حديقة الموت

تضحية البراء بن مالك الجريئة

محمد الهاشمي

5/8/2024

كانت الشمس تلفح أرض المعركة المشتعلة في اليمامة، والغبار والدماء يغطّيان الأرض التي تشهد أعنف المعارك منذ وفاة النبي ﷺ. جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد كان يواجه قوات مسيلمة الكذاب، ذاك المُدّعي النبوة الذي مزّقت أكاذيبه جزيرة العرب كما تمزق النار الهشيم.

في قلب دفاعات مسيلمة، كانت هناك حديقة محصنة، يحيط بها سور عالٍ – حديقة الموت – وقد لجأ إليها الآلاف من نخبة جنوده. كل محاولات اقتحام البوابة فشلت. تعب المسلمون، وتقلصت صفوفهم، لكن قلوبهم بقيت صلبة لا تلين.

عندها تقدم رجل أصبح اسمه مرادفًا للشجاعة الأسطورية – البراء بن مالك، مقاتل نحيل الجسد، لكن روحه من حديد. قال عنه النبي ﷺ: "رُبّ أشعث أغبر ذي طمرين، لو أقسم على الله لأبرّه"، وكان البراء أحدهم.

بعيون مشتعلة، وصوت يخترق فوضى المعركة، نادى على أصحابه: "اقذفوني فوق السور إلى داخل الحديقة، سأفتح لكم الباب، والله لأفعلن."

ترددوا، فالأمر كان أشبه بالموت المحتم. لكن البراء أصرّ. لبس درعه، وصعد فوق حائط من الدروع والرماح، صنعه له إخوانه بأيديهم. ثم، وعلى ألسنتهم دعاء جماعي، قذفوه فوق السور – رجل واحد، أُطلق كأنه سهم إلهي إلى قلب العدو.

سقط كالزئير. وحده، خلف خطوط العدو، قاتل كعاصفةٍ هائجة. سيفه في يده، يضرب به العشرات، والفوضى تعصف حوله. مثخن بالجراح، مغطّى بالدم، لكنه لم يتوقف. شق طريقه إلى البوابة، وفتحها من الداخل، ودفعها بكل ما بقي فيه من قوة.

اندفع جيش المسلمين كالموج العاتي. تم اقتحام الحديقة، وقُتل مسيلمة. وانتصر المسلمون – لكن فقط لأن رجلًا واحدًا تجرأ أن يُقذف نحو الموت في سبيل الحق.

البراء بن مالك – صغير في الحجم، لكن أسد في الروح – نقش اسمه في صفحات التاريخ كالرجل الذي فتح أبواب النصر بدمه وبسالته.